فصل: باب في أن التشهد في الصلاة فرض

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب في أن التشهد في الصلاة فرض

1 - عن ابن مسعود قال‏:‏ ‏(‏كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد السلام على اللَّه السلام على جبريل وميكائيل فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم لا تقولوا هكذا ولكن قولوا التحيات للَّه‏)‏ وذكره‏.‏

رواه الدارقطني وقال‏:‏ إسناده صحيح‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا البيهقي وصححه وهو من جملة ما استدل به القائلون بوجوب التشهد وقد ذكرنا ذلك مستوفى في شرح حديث ابن مسعود وقد صرح صاحب ضوء النهار أن الفرض ههنا بمعنى التعيين وهو شيء لا وجود له في كتب اللغة وقد صرح صاحب النهاية أن معنى فرض اللَّه أوجب وكذا في القاموس وغيره‏.‏

وللفرض معان أخر مذكورة في كتب اللغة لا تناسب المقام ومن جملة ما اعتذر به في ضوء النهار أن قول ابن مسعود هذا اجتهاد منه ولا يخفى أن كلامه هذا خارج مخرج الرواية لأنه بصدد الرأي وقول الصحابي فرض علينا وجب علينا إخبار عن حكم الشارع وتبليغ إلى الأمة وهو من أهل اللسان العربي وتجويزه ما ليس بفرض فرضًا بعيد فالأولى الاقتصار في الاعتذار عن الوجوب على عدم الذكر في حديث المسيء وعدم العلم بتأخير هذا عنه كما تقدم‏.‏ قال المصنف رحمه اللَّه‏:‏ وهذا يعني قول ابن مسعود يدل على أنه فرض عليهم اهـ‏.‏

2 - وعن عمر بن الخطاب قال‏:‏ ‏(‏لا تجزئ صلاة إلا بتشهد‏)‏‏.‏

رواه سعيد في سننه والبخاري في تاريخه‏.‏

الأثر من جملة ما تمسك به القائلون بوجوب التشهد وهو لا يكون حجة إلا على القائلين بحجية أقوال الصحابة لا على غيرهم لظهور أنه قاله رأيًا لا رواية بخلاف ما تقدم عن ابن مسعود وقد حكى ابن عبد البر عن الشافعي أنه قال‏:‏ من ترك التشهد ساهيًا أو عامدًا فعليه إعادة الصلاة إلا أن يكون الساهي قريبًا فيعود إلى إتمام صلاته ويتشهد وإلى وجوب إعادة الصلاة على من ترك التشهد ذهبت الهادوية وقد قدمنا غير مرة أن الإخلال بالواجبات لا يستلزم بطلان الصلاة وأن المستلزم لذلك إنما هو الإخلال بالشروط والأركان‏.‏

 باب الإشارة بالسبابة وصفة وضع اليدين

1 - عن وائل بن حجر‏:‏ ‏(‏أنه قال في صفة صلاة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ثم قعد فافترش رجله اليسرى ووضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى ثم قبض ثنتين من أصابعه وحلق حلقة ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي وأبو داود‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا ابن ماجه وابن خزيمة والبيهقي وهو طرف من حديث وائل المذكور في صفة صلاته صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏.‏

قوله ‏(‏ثم قعد فافترش رجله اليسرى‏)‏ استدل به من قال بمشروعية الفرش والنصب في الجلوس الأخير وقد تقدم تحقيق ذلك‏.‏

قوله ‏(‏ووضع كفه اليسرى على فخذه‏)‏ أي ممدودة غير مقبوضة قال إمام الحرمين ينشر أصابعها مع التفريج‏.‏

قوله ‏(‏وجعل حد مرفقه‏)‏ أي طرفه والمراد كما قال في شرح المصابيح أن يجعل عظم مرفقه كأنه رأس وتد‏.‏ قال ابن رسلان‏:‏ يرفع طرف مرفقه من جهة العضد عن فخذه حتى يكون مرتفعًا عنه كما يرتفع الوتد عن الأرض ويضع طرفه الذي من جهة الكف على طرف فخذه الأيمن‏.‏

قوله ‏(‏ثم قبض ثنتين‏)‏ أي إصبعين من أصابع يده اليمنى وهما الخنصر والبنصر‏.‏

قوله ‏(‏وحلق‏)‏ بتشديد اللام أي جعل إصبعيه حلقة والحلقة بسكون اللام جمعها حلق بفتحتين على غير قياس‏.‏ وقال الأصمعي‏:‏ الجمع حلق بكسر الحاء مثل قصعة وقصع‏.‏

قوله ‏(‏فرأيته يحركها‏)‏ قال البيهقي‏:‏ يحتمل أن يكون مراده بالتحريك الإشارة بها لا تكرير تحريكها حتى لا يعارض حديث ابن الزبير عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن حبان في صحيحه بلفظ‏:‏ ‏(‏كان يشير بالسبابة ولا يحركها ولا يجاوز بصره إشارته‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وأصله في مسلم دون قوله ‏(‏ولا يجاوز بصره إشارته‏)‏ انتهى‏.‏ وليس في مسلم من حديث ابن الزبير إلا الإشارة دون قوله ولا يحركها وما بعده‏.‏ ومما يرشد إلى ما ذكره البيهقي رواية أبي داود لحديث وائل فإنها بلفظ‏:‏ ‏(‏وأشار بالسبابة‏)‏‏.‏

وقد ورد في وضع اليمنى على الفخذ حال التشهد هيئات هذه إحداها‏.‏ والثانية ما أخرجه مسلم من حديث عبد اللَّه بن عمر‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثة وخمسين وأشار بالسبابة‏)‏‏.‏ والثالثة قبض كل الأصابع والإشارة بالسبابة كما في حديث ابن عمر الذي سيذكره المصنف‏.‏ والرابعة ما أخرجه مسلم من حديث ابن الزبير بلفظ‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم إذا قعد يدعو وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بإصبعه السبابة ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى ويلقم كفه اليسرى ركبته‏)‏‏.‏ والخامسة وضع اليد اليمنى على الفخذ من غير قبض والإشارة بالسبابة وقد أخرج مسلم رواية أخرى عن ابن الزبير تدل على ذلك لأنه اقتصر فيها على مجرد الوضع والإشارة‏.‏ وكذلك أخرج عن ابن عمر ما يدل على ذلك كما سيأتي‏.‏ وكذلك أخرج أبو داود والترمذي من حديث أبي حميد بدون ذكر القبض اللَّهم إلا أن تحمل الرواية التي لم يذكر فيها القبض على الروايات التي فيها القبض حمل المطلق على المقيد‏.‏

وقد جعل ابن القيم في الهدي الروايات المذكورة كلها واحدة قال‏:‏ فإن من قال قبض أصابعه الثلاث أراد به أن الوسطى كانت مضمومة ولم تكن منشورة كالسبابة ومن قال قبض اثنتين أراد أن الوسطى لم تكن مقبوضة مع البنصر بل الخنصر والبنصر متساويتان في القبض دون الوسطى‏.‏ وقد صرح بذلك من قال‏:‏ وعقد ثلاثًا وخمسين فإن الوسطى في هذا العقد تكون مضمومة ولا تكون مقبوضة مع البنصر انتهى‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على استحباب وضع اليدين على الركبتين حال الجلوس للتشهد وهو مجمع عليه‏.‏ قال أصحاب الشافعي‏:‏ تكون الإشارة بالإصبع عند قوله إلا اللَّه من الشهادة‏.‏ قال النووي‏:‏ والسنة أن لا يجاوز بصره إشارته وفيه حديث صحيح في سنن أبي داود ويشير بها موجهة إلى القبلة وينوي بالإشارة التوحيد والإخلاص‏.‏ قال ابن رسلان‏:‏ والحكمة في الإشارة بها إلى أن المعبود سبحانه وتعالى واحد ليجمع في توحيده بين القول والفعل والاعتقاد‏.‏ وروي عن ابن عباس أنه قال‏:‏ هي الإخلاص وقال مجاهد‏:‏ مقمعة الشيطان‏.‏

2 - وعن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها ويده اليسرى على ركبته باسطها عليها‏)‏‏.‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى‏)‏‏.‏

رواهما أحمد ومسلم والنسائي‏.‏

وأخرج نحوه الطبراني بلفظ‏:‏ ‏(‏كان إذا جلس في الصلاة للتشهد نصب يده على ركبته ثم يرفع إصبعه السبابة التي تلي الإبهام وباقي أصابعه على يمينه مقبوضة‏)‏‏.‏

قوله ‏(‏وضع يده على ركبته ورفع إصبعه‏)‏ ظاهر هذا عدم القبض لشيء من الأصابع فيكون دليلًا على الهيئة الخامسة التي قدمناها إلا أن يحمل على اللفظ الآخر كما سلف‏.‏ ويمكن أن يقال إن قوله ويده اليسرى على ركبته باسطها عليها مشعر بقبض اليمنى ولكنه إشعار فيه خفاء على أنه يمكن أن يكون توصيف اليسرى بأنها مبسوطة ناظرًا إلى رفع إصبع اليمنى للدعاء فيفيد أنه لم يرفع إصبع اليسرى للدعاء‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على مشروعية الإشارة وقبض الأصابع كما في اللفظ الآخر من حديث الباب وقد تقدم البحث عن ذلك‏.‏

 باب ما جاء في الصلاة على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم

1 - عن أبي مسعود قال‏:‏ ‏(‏أتانا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشير بن سعد‏:‏ أمرنا اللَّه أن نصلي عليك فكيف نصلي عليك قال‏:‏ فسكت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ قولوا اللَّهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد والسلام كما قد علمتم‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وصححه‏.‏ ولأحمد في لفظ آخر نحوه وفيه‏:‏ ‏(‏فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا‏)‏‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا أبو داود وابن خزيمة وابن حبان والدارقطني وحسنه والحاكم وصححه والبيهقي وصححه وزادوا‏:‏ ‏(‏النبي الأمي‏)‏ بعد قوله‏:‏ ‏(‏قولوا اللَّهم صل على محمد‏)‏ وزاد أبو داود بعد قول‏:‏ ‏(‏كما باركت على آل إبراهيم‏)‏ لفظ‏:‏ ‏(‏في العالمين‏)‏ وفي الباب عن كعب بن عجرة عند الجماعة وسيأتي‏.‏

وعن علي عليه السلام عند النسائي في مسند علي بلفظ حديث أبي هريرة الآتي‏.‏ وعن أبي هريرة وسيأتي أيضًا‏.‏ وعن طلحة بن عبيد اللَّه عند النسائي بلفظ‏:‏ ‏(‏اللَّهم صل على محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد‏)‏ وفي رواية وآل محمد في الموضعين ولم يقل فيهما وآل إبراهيم‏.‏

وعن أبي سعيد عند البخاري والنسائي وابن ماجه بلفظ‏:‏ ‏(‏قولوا اللَّهم صل على محمد عبدك ورسولك كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم‏)‏ وعن بريدة عند أحمد بلفظ‏:‏ ‏(‏اللَّهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وآل محمد كما جعلتها على آل إبراهيم إنك حميد مجيد‏)‏ وفيه أبو داود الأعمى اسمه نفيع وهو ضعيف جدًا ومتهم بالوضع‏.‏ وعن زيد بن خارجة عند أحمد والنسائي بلفظ‏:‏ ‏(‏قولوا اللَّهم صل على محمد وعلى آل محمد‏)‏ وعن أبي حميد وسيأتي‏.‏

وعن رويفع بن ثابت وجابر وابن عباس عند المستغفري في الدعوات‏.‏ قال النووي في شرح المهذب‏:‏ ينبغي أن تجمع ما في الأحاديث الصحيحة فتقول اللَّهم صل على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد‏.‏

قال العراقي‏:‏ بقي عليه مما في الأحاديث الصحيحة ألفاظ آخر وهي خمسة يجمعها قولك اللَّهم صل على محمد عبدك ورسولك النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللَّهم بارك على محمد النبي الأمي وعلى آل محمد وأزواجه وذريته كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد انتهى‏.‏

وهذه الزيادات التي ذكرها العراقي ثابتة في أحاديث الباب التي ذكرها المصنف وذكرناها‏.‏ وقد وردت زيادات غير هذه في أحاديث أخر عن علي وابن مسعود وغيرهما ولكن فيها مقال‏.‏

قوله في الحديث ‏(‏قولوا‏)‏ استدل بذلك على وجوب الصلاة عليه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بعد التشهد وإلى ذلك ذهب عمر وابنه عبد اللَّه وابن مسعود وجابر بن زيد‏.‏ والشعبي ومحمد بن كعب القرظي وأبو جعفر الباقر والهادي والقاسم والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وابن المواز واختاره القاضي أبو بكر ابن العربي‏.‏

ـ وذهب الجمهور ـ إلى عدم الوجوب منهم مالك وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والأوزاعي والناصر من أهل البيت وآخرون‏.‏ قال الطبري والطحاوي‏:‏ إنه أجمع المتقدمون والمتأخرون على عدم الوجوب‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ إنه لم يقل بالوجوب إلا الشافعي وهو مسبوق بالإجماع‏.‏ وقد طول القاضي عياض في الشفاء الكلام على ذلك ودعوى الإجماع من الدعاوى الباطلة لما عرفت من نسبة القول بالوجوب إلى جماعة من الصحابة والتابعين وأهل البيت والفقهاء ولكنه لا يتم الاستدلال على وجوب الصلاة بعد التشهد بما في حديث الباب من الأمر بها وبما في سائر أحاديث الباب لأن غايتها الأمر بمطلق الصلاة عليه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يقتضي الوجوب في الجملة فيحصل الامتثال بإيقاع فرد منها خارج الصلاة فليس فيها زيادة على ما في قوله تعالى ‏{‏يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا‏}‏ ولكنه يمكن الاستدلال لوجوب الصلاة في الصلاة بما أخرجه ابن حبان والحاكم والبيهقي وصححوه وابن خزيمة في صحيحه والدارقطني من حديث ابن مسعود بزيادة‏:‏ ‏(‏كيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا‏)‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏كيف نصلي عليك في صلاتنا‏)‏ وغاية هذه الزيادة أن يتعين بها محل الصلاة عليه صلى اللَّه عليه وسلم وهو مطلق الصلاة وليس فيها ما يعين محل النزاع وهو إيقاعها بعد التشهد الأخير‏.‏

ويمكن الاعتذار عن القول بالوجوب بأن الأوامر المذكورة في الأحاديث تعليم كيفية وهي لا تفيد الوجوب فإنه لا يشك من له ذوق أن من قال لغيره إذا أعطيتك درهمًا فكيف أعطيك إياه أسرًا أم جهرًا فقال له أعطنيه سرًا كان ذلك أمرًا بالكيفية التي هي السرية لا أمرًا بالإعطاء وتبادر هذا المعنى لغة وشرعًا وعرفًا لا يدفع‏.‏

وقد تكرر في السنة وكثر فمنه ‏(‏إذا قام أحدكم الليل فليفتتح الصلاة بركعتين خفيفتين‏)‏ الحديث‏.‏ وكذا قوله صلى اللَّه عليه وسلم في صلاة الاستخارة ‏(‏فليركع ركعتين ثم ليقل‏)‏ الحديث وكذا قوله في صلاة التسبيح ‏(‏فقم وصل أربع ركعات‏)‏ وقوله في الوتر ‏(‏فإذا خفت الصبح فأوتر بركعة‏)‏ والقول بأن هذه الكيفية المسؤول عنها هي كيفية الصلاة المأمور بها في القرآن فتعليمها بيان للواجب المجمل فتكون واجبة لا يتم إلا بعد تسليم أن الأمر القرآني بالصلاة مجمل وهو ممنوع لاتضاح معنى الصلاة والسلام المأمور بهما على أنه قد حكى الطبري الإجماع على أن محمل الآية على الندب فهو بيان لمجمل مندوب لا واجب ولو سلم انتهاض الأدلة على الوجوب لكان غايتها أن الواجب فعلها مرة واحدة فأين دليل التكرار في كل صلاة ولو سلم وجود ما يدل على التكرار لكان تركها في تعليم المسيء دالًا على عدم وجوبه‏.‏

ـ ومن جملة ـ ما استدل به القائلون بوجوب الصلاة بعد التشهد الأخير ما أخرجه الترمذي وقال‏:‏ حسن صحيح من حديث علي عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏البخيل من ذكرت عنده فلم يصل علي‏)‏ قالوا وقد ذكر النبي في التشهد وهذا أحسن ما يستدل به على المطلوب لكن بعد تسليم تخصيص البخل بترك الواجبات وهو ممنوع فإن أهل اللغة والشرع والعرف يطلقون اسم البخيل على من يشح بما ليس بواجب فلا يستفاد من الحديث الوجوب‏.‏

واستدلوا أيضًا بحديث عائشة عند الدارقطني والبيهقي بلفظ‏:‏ ‏(‏لا صلاة إلا بطهور والصلاة عليَّ‏)‏ وهو مع كونه في إسناده عمرو بن شمر وهو متروك وجابر الجعفي وهو ضعيف لا يدل على المطلوب لأن غايته إيجاب الصلاة عليه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من دون تقييد بالصلاة فأين دليل التقييد بها سلمنا فأين دليل تعيين وقتها بعد التشهد‏.‏

ومثله حديث سهل بن سعد عند الدارقطني والبيهقي والحاكم بلفظ‏:‏ ‏(‏لا صلاة لمن لم يصل على نبيه‏)‏ وهو مع كونه غير مفيد للمطلوب كما عرفت ضعيف الإسناد كما قال الحافظ في التلخيص‏.‏

ـ من جملة أدلتهم ـ ما أخرجه الدارقطني من حديث أبي مسعود بلفظ‏:‏ ‏(‏من صلى صلاة لم يصل فيها علي وعلى أهل بيتي لم تقبل منه‏)‏ وهو لا يدل على المطلوب وغايته إيجاب الصلاة في مطلق الصلاة فأين دليل التقييد ببعد التشهد على أنه لا يصلح للاستدلال به فإن الدارقطني قال بعد إخراجه‏:‏ الصواب أنه من قول أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين‏.‏

ـ واستدلوا ـ أيضًا بحديث فضالة بن عبيد الآتي وغايته إيجاب الصلاة في مطلق الصلاة عند إرادة الدعاء فما الدليل على الوجوب بعد التشهد على أنه حجة عليهم لا لهم كما سيأتي للمصنف‏.‏

ـ ومن جملة أدلتهم ـ ما قاله المهدي في البحر أنه لا حتم في غير الصلاة إجماعًا فتعين فيها للأمر والإجماع ممنوع فقد قال مالك‏:‏ إنها تجب في العمر مرة وإليه ذهب أهل الظاهر‏.‏ وقال الطحاوي‏:‏ إنها تجب كلما ذكر واختاره الحليمي من الشافعية‏.‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ وقد كثر الاستدلال على الوجوب في الصلاة بين المتفقهة بأن الصلاة عليه واجبة بالإجماع ولا تجب في غير الصلاة بالإجماع فتعين أن تجب في الصلاة وهو ضعيف جدًا لأن قوله لا تجب في غير الصلاة بالإجماع إن أراد لا تجب في غير الصلاة عينًا فهو صحيح لكنه لا يلزم منه أن تجب في الصلاة عينًا لجواز أن يكون الواجب مطلق الصلاة فلا يجب واحد من المعينين أعني خارج الصلاة وداخل الصلاة وإن أراد أعم من ذلك وهو الوجوب المطلق فممنوع اهـ‏.‏

ـ ومن جملة أدلتهم ـ ما أخرجه البزار في مسنده من رواية إسماعيل بن أبان عن قيس عن سماك عن جابر بن سمرة قال‏:‏ ‏(‏صعد النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم المنبر فقال آمين آمين آمين فلما نزل سئل عن ذلك فقال أتاني جبريل‏)‏ الحديث‏.‏ وفيه‏:‏ ‏(‏ورغم أنف امرئ ذكرت عنده فلم يصل علي‏)‏ وإسماعيل بن أبان هو الغنوي كذبه يحيى بن معين وغيره نعم حديث كعب بن عجرة عند الطبراني‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم خرج يومًا إلى المنبر فقال حين ارتقى درجة آمين ثم رقى أخرى فقال آمين‏)‏ الحديث وفيه أن جبريل قال له عند الدرجة الثالثة ‏(‏بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت آمين‏)‏ ورجاله ثقات كما قال العراقي‏.‏

وحديث جابر عند الطبراني بلفظ‏:‏ ‏(‏شقي من ذكرت عنده فلم يصل علي‏)‏ يفيد أن الوجوب عند الذكر من غير فرق بين داخل الصلاة وخارجها والقائلون بالوجوب في الصلاة لا يقولون بالوجوب خارجها فما هو جوابهم عن الوجوب خارجها فهو جوابنا عن الوجوب داخلها على أن التقييد بقوله عنده مشعر بوقوع الذكر من غير من أضيف إليه والذكر الواقع حال الصلاة ليس من غير الذاكر وإلحاق ذكر الشخص بذكر غيره يمنع منه وجود الفارق وهو ما يشعر به السكوت عند سماع ذكره صلى اللَّه عليه وآله وسلم من الغفلة وفرط القسوة بخلاف ما إذا جرى ذكره صلى اللَّه عليه وآله وسلم من الشخص نفسه فكفى به عنوانًا على الالتفات والرقة‏.‏ ويؤيد هذا الحديث الصحيح‏:‏ ‏(‏إن في الصلاة لشغلًا‏)‏‏.‏

ـ ومن أنهض ـ ما يستدل به على الوجوب في الصلاة مقيدًا بالمحل المخصوص أعني بعد التشهد ما أخرجه الحاكم والبيهقي من طريق يحيى بن السباق عن رجل من آل الحارث عن ابن مسعود عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم بلفظ‏:‏ ‏(‏إذا تشهد أحدكم في الصلاة فليقل‏)‏ الحديث لولا أن في إسناده رجلًا مجهولًا وهو هذا الحارثي‏.‏

ـ والحاصل ـ أنه لم يثبت عندي من الأدلة ما يدل على مطلوب القائلين بالوجوب وعلى فرض ثبوته فترك تعليم المسيء للصلاة لا سيما مع قوله صلى اللَّه عليه وسلم ‏(‏فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك‏)‏ قرينة صالحة لحمله على الندب‏.‏

ويؤيد ذلك قوله لابن مسعود وبعد تعليمه التشهد ‏(‏إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك إن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد‏)‏ أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي والدارقطني وفيه كلام يأتي إن شاء اللَّه في باب كون السلام فرضًا‏.‏ وبعد هذا فنحن لا ننكر أن الصلاة عليه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من أجل الطاعات التي يتقرب بها الخلق إلى الخالق وإنما نازعنا في إثبات واجب من واجبات الصلاة بغير دليل يقتضيه مخافة من التقول على اللَّه بما لم يقل ولكن تخصيص التشهد الأخير بها مما لم يدل عليه دليل صحيح ولا ضعيف وجميع هذه الأدلة التي استدل بها القائلون بالوجوب لا تختص بالأخير وغاية ما استدلوا به على تخصيص الأخير بها حديث‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يجلس في التشهد الأوسط كما يجلس على الرضف‏)‏ أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وليس فيه إلا مشروعية التخفيف وهو يحصل بجعله أخف من مقابله أعني التشهد الأخير وأما أنه يستلزم ترك ما دل الدليل على مشروعيته فيه فلا ولا شك أن المصلي إذا اقتصر على أحد التشهدات وعلى أخصر ألفاظ الصلاة عليه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان مسارعًا غاية المسارعة باعتبار ما يقع من تطويل الأخير بالتعوذ من الأربع والأدعية المأمور بمطلقها ومقيدها فيه‏.‏

إذا تقرر لك الكلام في وجوب الصلاة على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم في الصلاة فاعلم أنه قد اختلف في وجوبها على الآل بعد التشهد فذهب الهادي والقاسم والمؤيد باللَّه وأحمد بن حنبل وبعض أصحاب الشافعي إلى الوجوب واستدلوا بالأوامر المذكورة في الأحاديث المشتملة على الآل‏.‏ وذهب الشافعي في أحد قوليه وأبو حنيفة وأصحابه والناصر إلى أنها سنة فقط وقد تقدم ذكر الأدلة من الجانبين‏.‏

ـ ومن جملة ـ ما احتج به الآخرون هنا الإجماع الذي حكاه النووي على عدم الوجوب قالوا فيكون قرينة لحمل الأوامر على الندب قالوا ويؤيد ذلك عدم الأمر بالصلاة على الآل في القرآن والخلاف في تعيين الآل من هم وسيأتي في الباب الثاني‏.‏ وشرح بقية ألفاظ حديث ابن مسعود يأتي في شرح ما بعده من أحاديث الباب‏.‏

2 - وعن كعب بن عجرة قال‏:‏ ‏(‏قلنا يا رسول اللَّه قد علمنا أو عرفنا كيف السلام عليك فكيف الصلاة قال قولوا اللَّهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللَّهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا أن الترمذي قال فيه على إبراهيم في الموضعين لم يذكر آله‏.‏

قوله ‏(‏قد علمنا‏)‏ الخ يعني بما تقدم في أحاديث التشهد وهو السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّه وبركاته وهو يدل على تأخر مشروعية الصلاة عن التشهد‏.‏

قوله ‏(‏فكيف الصلاة‏)‏ فيه أنه يندب لمن أشكل عليه كيفية ما فهم جملته أن يسأل عنه من له به علم‏.‏

قوله ‏(‏قولوا‏)‏ استدل به القائلون بوجوب الصلاة في الصلاة وقد تقدم البحث عن ذلك‏.‏ وقوله ‏(‏وعلى آل محمد‏)‏ في رواية لأبي داود وآل محمد بحذف على وسائر الروايات في هذا الحديث وغيره بإثباتها‏.‏ وقد ذهب البعض إلى وجوب زيادتها‏.‏

قوله ‏(‏كما صليت على آل إبراهيم‏)‏ هم إسماعيل وإسحاق وأولادهما وقد جمع اللَّه لهم الرحمة والبركة بقوله ‏{‏رحمة اللَّه وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد‏}‏ ولم يجمعا لغيرهم فسأل النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم إعطاء ما تضمنته الآية واستشكل جماعة من العلماء التشبيه للصلاة عليه صلى اللَّه عليه وآله وسلم بالصلاة على إبراهيم كما في بعض الروايات أو على آل إبراهيم كما في البعض الآخر مع أن المشبه دون المشبه به في الغالب وهو صلى اللَّه عليه وآله وسلم أفضل من إبراهيم وآله وأجيب عن ذلك بأجوبة‏:‏

منها أن المشبه مجموع الصلاة على محمد وآله بمجموع الصلاة على إبراهيم وآله وفي آل إبراهيم معظم الأنبياء فالمشبه به أقوى من هذه الحيثية‏.‏ ومنها أن التشبيه وقع لأصل الصلاة بأصل الصلاة لا للقدر بالقدر‏.‏ ومنها أن التشبيه وقع في الصلاة على الآل لا على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم وهو خلاف الظاهر‏.‏ ومنها أن الصلاة عليه صلى اللَّه عليه وآله وسلم باعتبار تكررها من كل فرد تصير باعتبار مجموع الأفراد أعظم وأوفر وإن كانت باعتبار الفرد مساوية أو ناقصة وفيه أن التشبيه حاصل في صلاة كل فرد فالصلاة من المجموع مأخوذ فيها ذلك فلا يتحقق كونها أعظم وأوفر‏.‏

ومنها أن الصلاة عليه كانت ثابتة له والسؤال إنما هو باعتبار الزائد على القدر الثابت وبانضمام ذلك الزائد المساوي أو الناقص إلى ما قد ثبت تصير أعظم قدرًا‏.‏ ومنها أن التشبيه غير منظور فيه إلى جانب زيادة أو نقص وإنما المقصود أن لهذه الصلاة نوع تعظيم وإجلال كما فعل في حق إبراهيم وتقرر واشتهر من تعظيمه وتشريفه وهو خلاف الظاهر‏.‏ ومنها أن الغرض من التشبيه قد يكون لبيان حال المشبه من غير نظر إلى قوة المشبه به وهو قليل لا يحمل عليه إلا لقرينة‏.‏ ومنها أن التشبيه لا يقتضي أن يكون المشبه دون المشبه به على جهة اللزوم كما صرح بذلك جماعة من علماء البيان وفيه أنه وإن لم يقتض ذلك نادرًا فلا شك أنه غالب‏.‏ ومنها إنه كان ذلك منه صلى اللَّه عليه وسلم قبل أن يعلمه أنه أفضل من إبراهيم‏.‏ ومنها أن مراده صلى اللَّه عليه وسلم أن يتم النعمة عليه كما أتمها على إبراهيم وآله‏.‏ ومنها أن مراده صلى اللَّه عليه وسلم أن يبقي له لسان صدق في الآخرين كإبراهيم‏.‏ ومنها أنه سأل أن يتخذه اللَّه خليلًا كإبراهيم‏.‏ ومنها أنه صلى اللَّه عليه وسلم من جملة آل إبراهيم‏.‏ وكذلك آله فالمشبه هو الصلاة عليه وعلى آله بالصلاة على إبراهيم وآله الذي هو من جملتهم فلا ضير في ذلك‏.‏

قوله ‏(‏إنك حميد‏)‏ أي محمود الأفعال مستحق لجميع المحامد لما في الصيغة من المبالغة وهو تعليل لطلب الصلاة منه والمجيد المتصف بالمجد وهو كمال الشرف والكرم والصفات المحمودة‏.‏

قوله ‏(‏اللَّهم بارك‏)‏ البركة هي الثبوت والدوام من قولهم برك البعير إذا ثبت ودام أي أدم شرفه وكرامته وتعظيمه‏.‏

3 - وعن فضالة بن عبيد قال‏:‏ ‏(‏سمع النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم رجلًا يدعو في صلاته فلم يصل على النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ عجل هذا ثم دعاه فقال له أو لغيره إذا صلى أحدكم فليبدأ بتحميد اللَّه والثناء عليه ثم ليصل على النبي صلى اللَّه عليه وسلم ثم ليدع بعد ما شاء‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وصححه‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا أبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم‏.‏

قوله ‏(‏عجل هذا‏)‏ أي بدعائه قبل تقديم الصلاة وفيه دليل على مشروعية تقديم الصلاة قبل الدعاء ليكون وسيلة للإجابة لأن من حق السائل أن يتلطف في نيل ما أراده‏.‏

وقد روى الحديث غير المصنف بلفظ‏:‏ ‏(‏سمع رجلًا يدعو في صلاته لم يمجد اللَّه ولم يصل على النبي‏)‏‏.‏

قوله ‏(‏والثناء عليه‏)‏ هو من عطف العام على الخاص‏.‏ قوله ‏(‏ما شاء‏)‏ في أكثر الروايات بما شاء يعني من خير الدنيا والآخرة وفيه الأذن في الصلاة بمطلق الدعاء من غير تقييد بمحل مخصوص قيل هذا الحديث موافق في المعنى لحديث ابن مسعود وغيره في التشهد فإن ذلك متضمن للتمجيد والثناء وهذا مجمل وذلك مبين للمراد وهو لا يتم إلا بعد تسليم أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم سمع الرجل يدعو في قعدة التشهد‏.‏

ـ وقد استدل ـ بالحديث القائلون بوجوب الصلاة في الصلاة وقد تقدم الجواب عن ذلك‏.‏

قال المصنف رحمه اللَّه تعالى‏:‏ وفيه حجة لمن لا يرى الصلاة عليه فرضًا حيث لم يأمر تاركها بالإعادة‏.‏ ويعضده قوله في خبر ابن مسعود بعد ذكر التشهد‏:‏ ‏(‏ثم يتخير من المسألة ما شاء‏)‏ اهـ‏.‏

 باب ما يستدل به على تفسير آله المصلى عليهم

1 - عن أبي حميد الساعدي‏:‏ ‏(‏أنهم قالوا يا رسول اللَّه كيف نصلي عليك قال قولوا اللَّهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

الحديث احتج به طائفة من العلماء على أن الآل هم الأزواج والذرية ووجهه أنه أقام الأزواج والذرية مقام آل محمد في سائر الروايات المتقدمة‏.‏ واستدلوا على ذلك بقوله تعالى ‏{‏إنما يريد اللَّه ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا‏}‏ لأن ما قبل الآية وبعدها في الزوجات فأشعر ذلك بإرادتهن وأشعر تذكير المخاطبين بها بإرادة غيرهن‏.‏ وبين هذا الحديث وحديث أبي هريرة الآتي من هم المرادون بالآية وبسائر الأحاديث التي أجمل فيها الآل ولكنه يشكل على هذا امتناعه صلى اللَّه عليه وآله وسلم من إدخال أم سلمة تحت الكساء بعد سؤالها ذلك وقوله صلى اللَّه عليه وآله وسلم عند نزول هذه الآية مشيرًا إلى علي وفاطمة والحسن والحسين ‏(‏اللَّهم إن هؤلاء أهل بيتي‏)‏ بعد أن جللهم بالكساء‏.‏ وقيل إن الآل هم الذين حرمت عليهم الصدقة وهم بنو هاشم‏.‏

ومن أهل هذا القول الإمام يحيى واستدل القائل بذلك بأن زيد بن أرقم فسر الآل بهم وبين أنهم آل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل العباس كما في صحيح مسلم والصحابي أعرف بمراده صلى اللَّه عليه وسلم فيكون تفسيره قرينة على التعيين‏.‏

وقيل إنهم بنو هاشم وبنو المطلب وإلى ذلك ذهب الشافعي وقيل فاطمة وعلي والحسنان وأولادهم‏.‏ وإلى ذلك ذهب جمهور أهل البيت واستدلوا بحديث الكساء الثابت في صحيح مسلم وغيره وقوله صلى اللَّه عليه وسلم فيه‏:‏ ‏(‏اللَّهم إن هؤلاء أهل بيتي‏)‏ مشيرًا إليهم ولكنه يقال إن كان هذا التركيب يدل على الحصر باعتبار المقام أو غيره فغاية ما فيه إخراج من عداهم بمفهومه والأحاديث الدالة على أنهم أعم منهم كما ورد في بني هاشم وفي الزوجات مخصصة بمنطوقها لعموم هذا المفهوم‏.‏ واقتصاره صلى اللَّه عليه وسلم على تعيين البعض عند نزول الآية لا ينافي إخباره بعد ذلك بالزيادة لأن الاقتصار ربما كان لمزية للبعض أو قبل العلم بأن الآل أعم من المعنيين ثم يقال إذا كانت هذه الصيغة تقتضي الحصر فما الدليل على دخول أولاد المجللين بالكساء في الآل مع أن مفهوم هذا الحصر يخرجهم فإن كان إدخالهم بمخصص وهو التفسير بالذرية وذريته صلى اللَّه عليه وسلم هم أولاد فاطمة فما الفرق بين مخصص ومخصص‏.‏ وقيل إن الآل هم القرابة من غير تقييد وإلى ذلك ذهب جماعة من أهل العلم‏.‏ وقيل هم الأمة جميعًا‏.‏ قال النووي في شرح مسلم‏:‏ وهو أظهرها قال‏:‏ وهو اختيار الأزهري وغيره من المحققين اهـ وإليه ذهب نشوان الحميري إمام اللغة ومن شعره في ذلك‏:‏

آل النبي هم أتباع ملته * من الأعاجم والسودان والعرب

لو لم يكن آله إلا قرابته * صلى المصلي على الطاغي أبي لهب

ويدل على ذلك أيضًا قول عبد المطلب من أبيات‏:‏

وانصر على آل الصليــ * ـب وعابديه اليوم آلك

والمراد بالصليب أتباعه‏.‏

ـ ومن الأدلة ـ على ذلك قول اللَّه تعالى ‏{‏أدخلوا آل فرعون أشد العذاب‏}‏ لأن المراد بآله أتباعه واحتج لهذا القول بما أخرجه الطبراني أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لما سئل عن الآل قال‏:‏ ‏(‏آل محمد كل تقي‏)‏ وروي هذا من حديث علي ومن حديث أنس وفي أسانيدها مقال‏.‏

ويؤيد ذلك معنى الآل لغة فإنهم كما قال في القاموس أهل الرجل وأتباعه ولا ينافي هذا اقتصاره صلى اللَّه عليه وآله وسلم على البعض منهم في بعض الحالات كما تقدم وكما في حديث مسلم في الأضحية ‏(‏اللَّهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد‏)‏ فإنه لا شك أن القرابة أخص الآل فتخصيصهم بالذكر ربما كان لمزايا لا يشاركهم فيها غيرهم كما عرفت وتسميتهم بالأمة لا ينافي تسميتهم بالآل وعطف التفسير شائع ذائع كتابًا وسنة ولغة على أن حديث أبي هريرة المذكور آخر هذا الباب فيه عطف أهل بيته على ذريته فإذا كان مجرد العطف يدل على التغاير مطلقًا لزم أن تكون ذريته خارجة عن أهل بيته والجواب الجواب‏.‏ ولكن ههنا مانع من حمل الآل على جميع الأمة وهو حديث‏:‏ ‏(‏إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب اللَّه وعترتي‏)‏ الحديث وهو في صحيح مسلم وغيره فإنه لو كان الآل جميع الأمة لكان المأمور بالتمسك والأمر المتمسك به شيئًا واحدًا وهو باطل‏.‏

2 - وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى إذا صلى علينا أهل البيت فليقل اللَّهم صل على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وهو من طريق أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي عن المجمر عن أبي هريرة عنه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقد اختلف فيه على أبي جعفر‏.‏ وأخرجه النسائي في مسند علي من طريق عمرو بن عاصم عن حبان بن يسار الكلابي عن عبد الرحمن بن طلحة الخزاعي عن أبي جعفر عن محمد بن الحنفية عن أبيه علي عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بلفظ حديث أبي هريرة‏.‏

وقد اختلف فيه على أبي جعفر وعلى حبان بن يسار‏.‏

ـ الحديث ـ استدل به القائلون بأن الزوجات من الآل والقائلون إن الذرية من الآل وهو أدل على ذلك من الحديث الأول لذكر الآل وفيه مجملًا ومبينًا‏.‏

قوله ‏(‏بالمكيال‏)‏ بكسر الميم وهو ما يكال به‏.‏ وفيه دليل على أن هذه الصلاة أعظم أجرًا من غيرها وأوفر ثوابًا‏.‏

قوله ‏(‏أهل البيت‏)‏ الأشهر فيه النصب على الاختصاص ويجوز إبداله من ضمير علينا‏.‏

قوله ‏(‏فليقل اللَّهم صل على محمد‏)‏ قال الأسنوي‏:‏ قد اشتهر زيادة سيدنا قبل محمد عند أكثر المصلين وفي كون ذلك أفضل نظر اهـ وقد روي عن ابن عبد السلام أنه جعله من باب سلوك الأدب وهو مبني على أن سلوك طريق الأدب أحب من الامتثال‏.‏ ويؤيده حديث أبي بكر حين أمره صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن يثبت مكانه فلم يمتثل وقال ما كان لابن أبي قحافة أن يتقدم بين يدي رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وكذلك امتناع علي عن محو اسم النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم من الصحيفة في صلح الحديبية بعد أن أمره بذلك وقال لا أمحو اسمك أبدًا وكلا الحديثين في الصحيح فتقريره صلى اللَّه عليه وآله وسلم لهما على الامتناع من امتثال الأمر تأدبًا مشعر بأولويته‏.‏

 باب ما يدعو به في آخر الصلاة

1 - عن أبي هريرة قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير فليتعوذ باللَّه من أربع من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر المسيح الدجال‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي‏.‏

2 - وعن عائشة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يدعو في الصلاة اللَّهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال وأعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات اللَّهم إني أعوذ بك من المغرم والمأثم‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا ابن ماجه‏.‏

قوله ‏(‏إذا فرغ أحدكم من التشهد الأخير‏)‏ فيه تعيين محل هذه الاستعاذة بعد التشهد الأخير وهو مقيد وحديث عائشة مطلق فيحمل عليه وهو يرد ما ذهب إليه ابن حزم من وجوبها في التشهد الأول وما ورد من الأذن للمصلي بالدعاء بما شاء بعد التشهد يكون بعد هذه الاستعاذة لقوله إذا فرغ‏.‏

قوله ‏(‏فليتعوذ‏)‏ استدل بهذا الأمر على وجوب الاستعاذة وقد ذهب إلى ذلك بعض الظاهرية وروي عن طاوس وقد ادعى بعضهم الإجماع على الندب وهو لا يتم مع مخالفة من تقدم والحق الوجوب إن علم تأخر هذا الأمر عن حديث المسيء لما عرفناك في شرحه‏.‏

قوله ‏(‏من أربع‏)‏ ينبغي أن يزاد على هذه الأربع التعوذ من المغرم والمأثم المذكورين في حديث عائشة‏.‏

قوله ‏(‏ومن عذاب القبر‏)‏ فيه رد على المنكرين لذلك من المعتزلة والأحاديث في هذا الباب متواترة‏.‏

قوله ‏(‏ومن فتنة المحيا والممات‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ فتنة المحيا ما يعرض للإنسان مدة حياته من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات وأعظمها والعياذ باللَّه أمر الخاتمة عند الموت وفتنة الممات يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت أضيفت إليه لقربها منه ويكون المراد على هذا بفتنة المحيا ما قبل ذلك ويجوز أن يراد بها فتنة القبر وقد صح أنهم يفتنون في قبورهم‏.‏ وقيل أراد بفتنة المحيا الابتلاء مع زوال الصبر وبفتنة الممات السؤال في القبر مع الحيرة كذا في الفتح‏.‏

قوله ‏(‏ومن شر المسيح الدجال‏)‏ قال أبو داود في السنن‏:‏ المسيح مثقل الدجال ومخفف عيسى ونقل الفربري عن خلف بن عامر أن المسيح بالتشديد والتخفيف واحد ويقال للدجال ويقال لعيسى وأنه لا فرق بينهما‏.‏ قال الجوهري في الصحاح‏:‏ من قاله بالتخفيف فلمسحه الأرض ومن قاله بالتشديد فلكونه ممسوح العين‏.‏ قال الحافظ‏:‏ وحكي عن بعضهم بالخاء المعجمة في الدجال ونسب قائله إلى التصحيف‏.‏ قال في القاموس والمسيح عيسى ابن مريم صلوات اللَّه عليه لبركته قال وذكرت في اشتقاقه خمسين قولًا في شرحي لمشارق الأنوار وغيره والدجال لشؤمه اهـ‏.‏

قوله ‏(‏من المغرم والمأثم‏)‏ في البخاري بتقديم المأثم على المغرم‏.‏ والمغرم الدين يقال غرم بكسر الراء أي أدان قيل المراد به ما يستدل فيما لا يجوز أو فيما يجوز ثم يعجز عن أدائه ويحتمل أن يراد به ما هو أعم من ذلك وقد استعاذ صلى اللَّه عليه وسلم من غلبة الدين‏.‏ وفي البخاري‏:‏ ‏(‏أنه قال له صلى اللَّه عليه وآله وسلم قائل‏:‏ ما أكثر ما تستعيذ من المغرم فقال‏:‏ إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف‏)‏‏.‏

 باب جامع أدعية منصوص عليها في الصلاة

1 - عن أبي بكر الصديق رضي اللَّه عنه‏:‏ ‏(‏أنه قال لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ علمني دعاء أدعو به في صلاتي قال‏:‏ قل اللَّهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

قوله ‏(‏ظلمت نفسي‏)‏ قال في الفتح‏:‏ أي بملابسة ما يوجب العقوبة أو ينقص الحظ وفيه أن الإنسان لا يعرى عن تقصير ولو كان صديقًا‏.‏

قوله ‏(‏كثيرًا‏)‏ روي بالثاء المثلثة وبالباء الموحدة‏.‏ قال النووي‏:‏ ينبغي أن يجمع بينهما فيقول كثيرًا كبيرًا‏.‏ قال الشيخ عز الدين بن جماعة‏:‏ ينبغي أن يجمع بين الروايتين فيأتي مرة بالمثلثة ومرة بالموحدة فإذا أتى بالدعاء مرتين فقد نطق بما نطق به النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم بيقين وإذا أتى بما ذكره النووي لم يكن آتيًا بالسنة لأن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم لم ينطق به كذلك اهـ‏.‏

قوله ‏(‏ولا يغفر الذنوب إلا أنت‏)‏ قال الحافظ‏:‏ فيه إقرار بالوحدانية واستجلاب للمغفرة وهو كقوله ‏{‏والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا اللَّه فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا اللَّه‏}‏ فأثنى على المستغفرين وفي ضمن ثنائه بالاستغفار لوح بالأمرية كما قبل إن كل شيء أثنى اللَّه على فاعله فهو آمر به وكل شيء ذم فاعله فهو ناه عنه‏.‏

قوله ‏(‏مغفرة من عندك‏)‏ قال الطيبي‏:‏ ذكر التنكير يدل على أن المطلوب غفران عظيم لا يدرك كنهه ووصفه بكونه من عنده سبحانه وتعالى مريدًا بذلك التعظيم لأن الذي يكون من عند اللَّه لا يحيط به وصف‏.‏

وقال ابن دقيق العيد‏:‏ يحتمل وجهين أحدهما الإشارة إلى التوحيد المذكور كأنه قال لا يفعل هذا إلا أنت فافعله أنت والثاني وهو أحسن أنه أشار إلى طلب مغفرة متفضل بها لا يقتضيها سبب من العبد من عمل حسن ولا غيره وبهذا الثاني جزم ابن الجوزي‏.‏

قوله ‏(‏إنك أنت الغفور الرحيم‏)‏ قال الحافظ‏:‏ هما صفتان ذكرتا ختمًا للكلام على جهة المقابلة لما تقدم فالغفور مقابل لقوله ‏(‏اغفر لي‏)‏ والرحيم مقابل لقوله ‏(‏ارحمني‏)‏ وهي مقابلة مرتبة‏.‏

ـ والحديث ـ يدل على مشروعية هذا الدعاء في الصلاة ولم يصرح بمحله‏.‏

قال ابن دقيق العيد‏:‏ ولعل الأولى أن يكون في أحد موطنين السجود أو التشهد لأنه أمر فيهما بالدعاء وقد أشار البخاري إلى محله فأورده في باب الدعاء قبل السلام‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وفي الحديث من الفوائد استحباب طلب التعليم من العالم خصوصًا ما في الدعوات المطلوب فيها جوامع الكلم‏.‏

2 - وعن عبيد بن القعقاع قال‏:‏ ‏(‏رمق رجل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وهو يصلي فجعل يقول في صلاته اللَّهم اغفر لي ذنبي ووسع علي في ذاتي وبارك لي فيما رزقتني‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

عبيد بن القعقاع ويقال حميد بن القعقاع لا يعرف حاله والراوي عنه أبو مسعود الجريري لا يعرف حاله وقد اختلف فيه على شعبة‏.‏ قال ابن حجر في المنفعة‏:‏ وله شاهد من حديث أبي موسى في الدعاء للطبراني وأبو مسعود الجريري هو سعيد ابن إياس ثقة أخرج له الجماعة فلا وجه لقول من قال لا يعرف حاله‏.‏

ـ والحديث ـ فيه مشروعية الدعاء بهذه الكلمات في مطلق الصلاة من غير تقييد بمحل منها مخصوص وجهالة الراوي عنه صلى اللَّه عليه وسلم لا تضر لأن جهالة الصحابي مغتفرة كما ذهب إلى ذلك الجمهور ودلت عليه الأدلة وقد ذكرت الأدلة على ذلك في الرسالة التي سميتها القول المقبول في رد رواية المجهول من غير صحابة الرسول‏.‏

قوله ‏(‏رمق رجل‏)‏ الرمق اللحظ الخفيف كما في القاموس‏.‏

3 - وعن شداد بن أوس‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقول في صلاته اللَّهم إني أسألك الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد وأسألك شكر نعمتك وحسن عبادتك وأسألك قلبًا سليمًا ولسانًا صادقًا وأسألك من خير ما تعلم وأعوذ بك من شر ما تعلم وأستغفرك لما تعلم‏)‏‏.‏

رواه النسائي‏.‏

الحديث رجال إسناده ثقات وقد ذكره في الجامع عند أدعية الاستخارة بلفظ‏:‏ ‏(‏عن رجل من بني حنظلة قال‏:‏ صحبت شداد بن أوس فقال‏:‏ ألا أعلمك ما كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعلمنا نقول إذا روينا فذكره وزاد إنك أنت علام الغيوب‏)‏ أخرجه الترمذي وزاد في حديث آخر بمعناه ‏(‏إذا أوى إلى فراشه‏)‏ ولم يذكر فيه إذا روينا أمرًا‏.‏ وقد أخرجه النسائي في اليوم والليلة ولم يذكر في الصلاة‏.‏ وأما صاحب التيسير فساقه باللفظ الذي ذكره المصنف‏.‏

قوله ‏(‏كان يقول في صلاته‏)‏ هذا الدعاء ورد مطلقًا في الصلاة غير مقيد بمكان مخصوص‏.‏

قوله ‏(‏الثبات في الأمر‏)‏ سؤال الثبات في الأمر من جوامع الكلم النبوية لأن من ثبته اللَّه في أموره عصم عن الوقوع في الموبقات ولم يصدر منه أمر على خلاف ما يرضاه اللَّه‏.‏

قوله ‏(‏والعزيمة على الرشد‏)‏ هي تكون بمعنى إرادة الفعل وبمعنى الجد في طلبه والمناسب هنا هو الثاني‏.‏

قوله ‏(‏قلبًا سليمًا‏)‏ أي غير عليل بكدر المعصية ولا مريض بالاشتمال على الغل والانطواء على الإحن‏.‏

قوله ‏(‏من خير ما تعلم‏)‏ هو سؤال لخير الأمور على الإطلاق لأن علمه جل جلاله محيط بجميع الأشياء وكذلك التعوذ من شر ما يعلم والاستغفار لما يعلم فكأنه قال أسألك من خير كل شيء وأعوذ بك من شر كل شيء وأستغفرك لكل ذنب‏.‏

4 - وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يقول في سجوده اللَّهم اغفر لي ذنبي كله دقه وجله وأوله وآخره وعلانيته وسره‏)‏‏.‏

رواه مسلم وأبو داود‏.‏

قوله ‏(‏ذنبي كله‏)‏ استدل به على جواز نسبة الذنب إليه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وقد اختلف الناس في ذلك على أقوال مذكورة في الأصول‏.‏

أحدها أن الأنبياء كلهم معصومون من الكبائر والصغائر وهذا هو اللائق بشرفهم لولا مخالفته لصرائح القرآن والسنة المشعرة بأن لهم ذنوبًا‏.‏

قوله ‏(‏دقه وجله‏)‏ بكسر أولهما أي قليله وكثيره‏.‏ قوله ‏(‏وأوله وآخره‏)‏ هو من عطف الخاص على العام‏.‏ قوله ‏(‏وعلانيته وسره‏)‏ هو كذلك‏.‏ قال النووي‏:‏ فيه تكثير ألفاظ الدعاء وتوكيده وإن أغنى بعضها عن بعض‏.‏

5 - وعن عمار بن ياسر‏:‏ ‏(‏أنه صلى صلاة فأوجز فيها فأنكروا ذلك فقال‏:‏ ألم أتم الركوع والسجود فقالوا‏:‏ بلى قال‏:‏ أما أني دعوت فيها بدعاء كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يدعو به اللَّهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحييني ما علمت الحياة خيرًا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرًا لي أسألك خشيتك في الغيب والشهادة وكلمة الحق في الغضب والرضا والقصد في الفقر والغنى ولذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقائك وأعوذ بك من ضراء مضرة ومن فتنة مضلة اللَّهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي‏.‏

الحديث رجال إسناده ثقات وساقه بإسناد آخر بنحو هذا اللفظ وإسناده في سنن النسائي هكذا أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربي قال حدثنا حماد قال حدثنا عطاء بن السائب عن أبيه قال صلى عمار فذكره وفي إسناده عطاء بن السائب وقد اختلط وأخرج له البخاري مقرونًا بآخر وبقية رجاله ثقات ووالد عطاء هو السائب بن مالك الكوفي وثقه العجلي‏.‏

قوله ‏(‏فأوجز فيها‏)‏ لعله لم يصاحب هذا الإيجاز تمام الصلاة على الصفة التي عهدوا عليها رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم وإلا لم يكن للإنكار عليه وجه فقد ثبت من حديث أنس في مسلم وغيره أنه قال ما صليت خلف أحد أوجز صلاة من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في تمام‏.‏

قوله ‏(‏فأنكروا ذلك عليه‏)‏ فيه جواز الإنكار على من أخف الصلاة من دون استكمال‏.‏

قوله ‏(‏ألم أتم الركوع والسجود‏)‏ فيه إشعار بأنه لم يتم غيرهما ولذلك أنكروا عليه‏.‏

قوله ‏(‏كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يدعو به‏)‏ يحتمل أنه كان يدعو به في الصلاة ويكون فعل عمار قرينة على ذلك ويحتمل أنه كان يدعو به من غير تقييد بحال الصلاة كما هو الظاهر من الكلام‏.‏

قوله ‏(‏بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق‏)‏ فيه دليل على جواز التوسل إليه تعالى بصفات كماله وخصال جلاله‏.‏

قوله ‏(‏أحييني‏)‏ إلى قوله ‏(‏خيرًا لي‏)‏ هذا ثابت في الصحيحين من حديث أنس بلفظ‏:‏ ‏(‏اللَّهم أحيني ما كانت الحياة خيرًا لي وتوفني ما كانت الوفاة خيرًا لي‏)‏ وهو يدل على جواز الدعاء بهذا لكن عند نزول الضرر كما وقع التقييد بذلك في حديث أنس المذكور المتفق عليه ولفظه‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم‏:‏ لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد متمنيًا فليقل اللَّهم أحيني‏)‏ إلى آخره‏.‏

قوله ‏(‏خشيتك في الغيب والشهادة‏)‏ أي في مغيب الناس وحضورهم لأن الخشية بين الناس فقط ليست من الخشية للَّه بل من خشية الناس‏.‏

قوله ‏(‏وكلمة الحق في الغضب والرضا‏)‏ إنما جمع بين الحالتين لأن الغضب ربما حال بين الإنسان وبين الصدع بالحق وكذلك الرضا ربما قاد في بعض الحالات إلى المداهنة وكتم كلمة الحق‏.‏

قوله ‏(‏والقصد في الفقر والغنى‏)‏ القصد في كتب اللغة بمعنى استقامة الطريق والاعتدال وبمعنى ضد الإفراط وهو المناسب هنا لأن بطر الغنى ربما جر إلى الإفراط‏.‏ وعدم الصبر على الفقر ربما أوقع في التفريط فالقصد فيهما هو الطريقة القويمة‏.‏

قوله ‏(‏ولذة النظر إلى وجهك‏)‏ فيه متمسك للأشعرية ومن قال بقولهم والمسألة طويلة الذيل ومحلها علم الكلام‏.‏ وقد أفردتها برسالة مطولة سميتها البغية في الرؤية‏.‏

قوله ‏(‏والشوق إلى لقائك‏)‏ إنما سأله صلى اللَّه عليه وآله وسلم لأنه من موجبات محبة اللَّه للقاء عبده لحديث ‏(‏من أحب لقاء اللَّه أحب اللَّه لقاءه‏)‏ ومحبة اللَّه تعالى لذلك من أسباب المغفرة‏.‏

قوله ‏(‏مضرة‏)‏ إنما قيد صلى اللَّه عليه وآله وسلم بذلك لأن الضراء ربما كانت نافعة آجلًا أو عاجلًا فلا يليق الاستعاذة منها‏.‏

قوله ‏(‏مضلة‏)‏ وصفها صلى اللَّه عليه وآله وسلم بذلك لأن من الفتن ما يكون من أسباب الهداية وهذا بهذا الاعتبار مما لا يستعاذ منه‏.‏ قال أهل اللغة‏:‏ الفتنة الامتحان والاختبار‏.‏

6 - وعن معاذ بن جبل قال‏:‏ ‏(‏لقيني النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ إني أوصيك بكلمات تقولهن في كل صلاة اللَّهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي وأبو داود‏.‏

الحديث قال الحافظ‏:‏ سنده قوي‏.‏ وذكره المصنف في هذا الباب المشتمل على أدعية الصلاة بناء على أن لفظ الحديث في كل صلاة كما في الكتاب وقد رواه غيره بلفظ‏:‏ ‏(‏دبر كل صلاة‏)‏ وهو عند أبي داود بلفظ‏:‏ ‏(‏في دبر كل صلاة‏)‏ وكذلك رويته من طريق مشايخي مسلسلًا بالمحبة فلا يكون باعتبار هذه الزيادة من أدعية الصلاة لأن دبر الصلاة بعدها على الأقرب كما سيأتي ويحتمل دبر الصلاة آخرها قبل الخروج منها لأن دبر الحيوان منه وعليه بعض أئمة الحديث فلعل المصنف أراد ذلك ولكنه يشكل عليه إيراده لأدعية مقيدة بذلك في باب الذكر بعد الصلاة كحديث ابن الزبير وحديث المغيرة الآتيين‏.‏

قوله ‏(‏إني أوصيك بكلمات تقولهن‏)‏ في رواية أبي داود لا تدعهن والنهي أصله التحريم فيدل على وجوب الدعاء بهذه الكلمات‏.‏ وقيل إنه نهي إرشاد وهو محتاج إلى قرينة‏.‏ ووجه تخصيص الوصية بهذه الكلمات أنها مشتملة على جميع خير الدنيا والآخرة‏.‏

7 - وعن عائشة‏:‏ ‏(‏أنها فقدت النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم من مضجعها فلمسته بيدها فوقعت عليه وهو ساجد وهو يقول رب أعط نفسي تقواها زكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عائشة بلفظ‏:‏ ‏(‏فقدت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم ذات ليلة فلمست المسجد فإذا هو ساجد وقدماه منصوبتان وهو يقول إني أعوذ برضاك من سخطك وأعوذ بمعافاتك من عقوبتك وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك‏)‏ فيمكن أن يكون اللفظ الذي ذكره أحمد من أحد روايات هذا الحديث‏.‏ ويمكن أن يكون حديثًا مستقلًا ويحمل ذلك على تعدد الواقعة‏.‏

قوله ‏(‏أعط نفسي تقواها‏)‏ أي اجعلها متقية سامعة مطيعة‏.‏

قوله ‏(‏زكها‏)‏ أي اجعلها زاكية بما تفضلت به عليها من التقوى وخصال الخير‏.‏

قوله ‏(‏أنت وليها‏)‏ أي متولي أمورها ‏(‏ومولاها‏)‏ أي مالكها‏.‏

‏(‏والحديث‏)‏ يدل على مشروعية الدعاء في السجود وقد تقدم الكلام على ذلك‏.‏

8 - وعن ابن عباس‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم صلى فجعل يقول في صلاته أو في سجوده اللَّهم اجعل في قلبي نورًا وفي سمعي نورًا وفي بصري نورًا وعن يميني نورًا وعن شمالي نورًا وأمامي نورًا وخلفي نورًا وفوقي نورًا وتحتي نورًا واجعل لي نورًا أو قال واجعلني نورًا‏)‏‏.‏

مختصر من مسلم‏.‏

الحديث ذكره مسلم في صحيحه مطولًا ومختصرًا بطرق متعددة وألفاظ مختلفة وجميع الروايات مقيدة بصلاة الليل‏.‏

قوله ‏(‏في صلاته أو في سجوده‏)‏ هذا الشك وقع في رواية محمد بن بشار عن محمد بن جعفر عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن كريب عن ابن عباس‏.‏ وفي رواية في مسلم‏:‏ ‏(‏فخرج إلى الصلاة وهو يقول‏)‏ الحديث‏.‏ وفي رواية له‏:‏ ‏(‏وكان في دعائه اللَّهم اجعل‏)‏ الخ من غير تقييد بحال الصلاة ولا بحال الخروج‏.‏

قوله ‏(‏اجعل في قلبي نورًا‏)‏ إلى آخر الحديث قال النووي‏:‏ قال العلماء سأل النور في أعضائه وجهاته والمراد بيان الحق وضياؤه والهداية إليه فسأل النور في جميع أعضائه وجسمه وتصرفاته وتقلباته وحالاته وجملته وفي جهاته الست حتى لا يزيغ شيء فيها عنه‏.‏

 باب الخروج من الصلاة بالسلام

1 - عن ابن مسعود‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم كان يسلم عن يمينه وعن يساره السلام عليكم ورحمة اللَّه السلام عليكم ورحمة اللَّه حتى يرى بياض خده‏)‏‏.‏

رواه الخمسة وصححه الترمذي‏.‏

2 - وعن عامر بن سعد عن أبيه قال‏:‏ ‏(‏كنت أرى النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم يسلم عن يمينه وعن يساره حتى يرى بياض خده‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه‏.‏

الحديث الأول أخرجه أيضًا الدارقطني وابن حبان وله ألفاظ وأصله في صحيح مسلم‏.‏ قال العقيلي‏:‏ والأسانيد صحاح ثابتة في حديث ابن مسعود في تسليمتين ولا يصح في تسليمة واحدة شيء‏.‏

والحديث الثاني أخرجه أيضًا البزار والدارقطني وابن حبان قال البزار‏:‏ روي عن سعد من غير وجه‏.‏

ـ وفي الباب ـ أحاديث فيها ذكر التسليمتين‏.‏ منها عن عمار عند ابن ماجه والدارقطني‏.‏ وعن البراء عند ابن أبي شيبة في مصنفه والدارقطني أيضًا‏.‏ وعن سهل بن سعد عند أحمد وفيه ابن لهيعة‏.‏ وعن حذيفة عند ابن ماجه‏.‏ وعن عدي بن عميرة عند ابن ماجه أيضًا وإسناده حسن‏.‏ وعن طلق بن علي عند أحمد والطبراني وفيه ملازم بن عمرو‏.‏ وعن المغيرة عند المعمري في اليوم والليلة والطبراني قال الحافظ‏:‏ وفي إسناده نظر‏.‏ وعن واثلة ابن الأسقع عند الشافعي وإسناده ضعيف‏.‏ وعن وائل بن حجر عند أبي داود والطبراني من طريق ابنه عبد الجبار ولم يسمع منه‏.‏ وعن يعقوب بن الحصين عند أبي نعيم في المعرفة وفيه عبد الوهاب بن مجاهد وهو متروك وعن أبي رمثة عند الطبراني وابن منده قال الحافظ‏:‏ وفي إسناده نظر‏.‏ وعن أبي موسى عند أحمد وابن ماجه‏.‏ وعن سمرة وسيأتي‏.‏ وعن جابر بن سمرة وسيأتي أيضًا‏.‏

ـ وهذه الأحاديث ـ تدل على مشروعية التسليمتين وقد حكاه ابن المنذر عن أبي بكر الصديق وعلي وابن مسعود وعمار بن ياسر ونافع بن عبد الحارث من الصحابة‏.‏ وعن عطاء بن أبي رباح وعلقمة والشعبي وأبي عبد الرحمن السلمي من التابعين‏.‏ وعن أحمد وإسحاق وأبي ثور وأصحاب الرأي‏.‏ قال ابن المنذر‏:‏ وبه أقول وحكاه في البحر عن الهادي والقاسم وزيد بن علي والمؤيد باللَّه من أهل البيت‏.‏ وإليه ذهب الشافعي كما قال النووي‏.‏ وذهب إلى أن المشروع تسليمة واحدة ابن عمر وأنس وسلمة بن الأكوع وعائشة من الصحابة والحسن وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز من التابعين ومالك والأوزاعي والإمامية وأحد قولي الشافعي وغيرهم‏.‏ وذهب عبد اللَّه بن موسى بن جعفر من أهل البيت إلى أن الواجب ثلاث يمينًا وشمالًا وتلقاء وجهه‏.‏

واختلف القائلون بمشروعية التسليمتين هل الثانية واجبة أم لا فذهب الجمهور إلى استحبابها‏.‏ قال ابن المنذر‏:‏ أجمع العلماء على أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة جائزة‏.‏ وقال النووي في شرح مسلم‏:‏ أجمع العلماء الذين يعتد بهم على أنه لا يجب إلا تسليمة واحدة‏.‏ وحكى الطحاوي وغيره عن الحسن بن صالح أنه أوجب التسليمتين جميعًا وهي رواية عن أحمد وبها قال بعض أصحاب مالك ونقله ابن عبد البر عن بعض أصحاب الظاهر وإلى ذلك ذهبت الهادوية وسيأتي الكلام على وجوب التسليمة أو التسليمتين أو عدم ذلك في باب كون السلام فرضًا وسنتكلم هاهنا في مجرد المشروعية من غير نظر إلى الوجوب‏.‏ فنقول‏:‏

ـ احتج القائلون ـ بمشروعية التسليمتين بالأحاديث المتقدمة‏.‏ واحتج القائلون بمشروعية الواحدة فقط بالأحاديث التي سيأتي ذكرها في باب من اجتزأ بتسليمة‏.‏ واحتج القائل بمشروعية ثلاث بأن في ذلك جمعًا بين الروايات والحق ما ذهب إليه الأولون لكثرة الأحاديث الواردة بالتسليمتين وصحة بعضها وحسن بعضها واشتمالها على الزيادة وكونها مثبتة بخلاف الأحاديث الواردة بالتسليمة الواحدة فإنها مع قلتها ضعيفة لا تنتهض للاحتجاج كما ستعرف ذلك ولو سلم انتهاضها لم تصلح لمعارضة أحاديث التسليمتين لما عرفت من اشتمالها على الزيادة‏.‏

وأما القول بمشروعية ثلاث فلعل القائل به ظن أن التسليمة الواحدة الواردة في الباب الذي سيأتي غير التسليمتين المذكورتين في هذا الباب فجمع بين الأحاديث بمشروعية الثلاث وهو فاسد‏.‏ وأفسد منه ما رواه في البحر عن البعض من أن المشروع واحدة في المسجد الصغير وثنتان في المسجد الكبير‏.‏

قوله ‏(‏عن يمينه وعن يساره‏)‏ فيه مشروعية أن يكون التسليم إلى جهة اليمين ثم إلى جهة اليسار‏.‏ قال النووي‏:‏ ولو سلم التسليمتين عن يمينه أو عن يساره أو تلقاء وجهه أو الأولى عن يساره والثانية عن يمينه صحت صلاته وحصلت التسليمتان ولكن فاتته الفضيلة في كيفيتهما‏.‏

قوله ‏(‏السلام عليكم ورحمة اللَّه‏)‏ زاد أبو داود من حديث وائل ‏(‏وبركاته‏)‏‏.‏ وأخرجها أيضًا ابن حبان في صحيحه من حديث ابن مسعود وكذلك ابن ماجه من حديثه قال الحافظ في التلخيص‏:‏ فيتعجب من ابن الصلاح حيث يقول إن هذه الزيادة ليست في شيء من كتب الحديث إلا في رواية وائل بن حجر وقد ذكر لها الحافظ طرقًا كثيرة في تلقيح الأفكار وتخريج الأذكار لما قال النووي‏:‏ إن زيادة وبركاته رواية فردة‏.‏ ثم قال الحافظ بعد أن ساق تلك الطرق‏:‏ فهذه عدة طرق تثبت بها وبركاته بخلاف ما يوهمه كلام الشيخ إنها رواية فردة انتهى‏.‏ وقد صحح أيضًا في بلوغ المرام حديث وائل المشتمل على تلك الزيادة‏.‏

قوله ‏(‏حتى يرى بياض خده‏)‏ بضم الياء المثناة من تحت من قوله يرى مبنيًا للمجهول كذا قال ابن رسلان وبياض بالرفع على النيابة‏.‏ وفيه دليل على المبالغة في الالتفات إلى جهة اليمين وإلى جهة اليسار وزاد النسائي فقال‏:‏ ‏(‏عن يمينه حتى يرى بياض خده الأيمن وعن يساره حتى يرى بياض خده الأيسر‏)‏ وفي رواية له‏:‏ ‏(‏حتى يرى بياض خده من ههنا وبياض خده من ههنا‏)‏‏.‏

3 - وعن جابر بن سمرة قال‏:‏ ‏(‏إذا كنا صلينا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم قلنا السلام عليكم ورحمة اللَّه السلام عليكم ورحمة اللَّه وأشار بيده إلى الجانبين فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم‏:‏ علام تومون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه يسلم على أخيه من على يمينه وشماله‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏ وفي رواية‏:‏ ‏(‏كنا نصلي خلف النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ ما بال هؤلاء يسلمون بأيديهم كأنها أذناب خيل شمس إنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه ثم يقول السلام عليكم السلام عليكم‏)‏ رواه النسائي‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا أبو داود‏.‏ قوله ‏(‏علام تومون‏)‏ في رواية أبي داود بلفظ‏:‏ ‏(‏ما بال أحدكم يرمي بيده‏)‏ بالراء قال ابن الأثير‏:‏ إن صحت الرواية بالراء ولم يكن تصحيفًا للواو فقد جعل الرمي باليد موضع الإيماء بها لجواز ذلك في اللغة يقول رميت ببصري إليك أي مددته ورميت إليك بيدي أي أشرت بها‏.‏

قال‏:‏ والرواية المشهورة رواية مسلم ‏(‏علام تومؤن‏)‏ بهمزة مضمومة بعد الميم والإيماء الإشارة أو ما يومئ إيماء وهم يومؤن مهموزًا ولا تقل أوميت بياء ساكنة قاله الجوهري‏.‏ قال ابن الأثير‏:‏ وقد جاء في رواية الشافعي يومون بضم الميم بلا همزة فإن صحت الرواية فيكون قد أبدل من الهمزة ياء فلما قلبت الهمزة ياء صارت يومي فلما لحقه ضمير الجماعة كان القياس يوميون فثقلت الياء وقلبها كسرة فحذفت ونقلت ضمتها إلى الميم فقيل يومون‏.‏

قوله ‏(‏أذناب خيل شمس‏)‏ بإسكان الميم وضمها مع ضم الشين المعجمة جمع شموس بفتح الشين وهو من الدواب النفور الذي يمتنع على راكبه ومن الرجال صعب الخلق‏.‏

قوله ‏(‏من على يمينه وشماله‏)‏ في رواية أبي داود‏:‏ ‏(‏من عن يمينه ومن عن شماله‏)‏ وهو من الأدلة على مشروعية التسليمتين وقد قدمنا الكلام على ذلك‏.‏

قوله ‏(‏ثم يقول السلام عليكم‏)‏ قال المصنف رحمه اللَّه‏:‏ وهو دليل على أنه إذا لم يقل ورحمة اللَّه أجزأه انتهى‏.‏

والأحاديث المتقدمة مشتملة على زيادة ورحمة اللَّه وبركاته فلا يتم الإتيان بالمشروع إلا بذلك‏.‏ وأما الإجزاء وعدمه فينبني على القول بالوجوب وعدمه وسيأتي ذلك‏.‏

4 - وعن سمرة بن جندب‏:‏ ‏(‏قال أمرنا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وآله وسلم أن نسلم على أئمتنا وأن يسلم بعضنا على بعض‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود ولفظه‏:‏ ‏(‏أمرنا أن نرد على الإمام وأن نتحاب وأن يسلم بعضنا على بعض‏)‏‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الحاكم والبزار وزاد‏:‏ ‏(‏في الصلاة‏)‏ قال الحافظ‏:‏ وإسناده حسن انتهى‏.‏ ولكنه رواية الحسن عن سمرة وقد اختلف في سماعه منه على أربعة مذاهب‏:‏ سمع منه مطلقًا‏.‏ لم يسمع منه مطلقًا‏.‏ سمع منه حديث العقيقة‏.‏ سمع منه ثلاثة أحاديث‏.‏ وقد قدمنا بسط ذلك‏.‏ وقد أخرج هذا الحديث أبو داود من طريق أخرى عن سمرة بلفظ‏:‏ ‏(‏ثم سلموا على قارئكم وعلى أنفسكم‏)‏ قال الحافظ‏:‏ لكنه ضعيف لما فيه من المجاهيل‏.‏

قوله ‏(‏أن نسلم على أئمتنا‏)‏ أي نرد السلام عليهم كما في الرواية الثانية‏.‏ قال أصحاب الشافعي‏:‏ إن كان المأموم عن يمين الإمام فينوي الرد عليه بالثانية وإن كان على يساره فينوي الرد عليه بالأولى وإن حاذاه فبما شاء وهو في الأولى أحب‏.‏

قوله ‏(‏وأن يسلم بعضنا على بعض‏)‏ ظاهره شامل للصلاة وغيرها ولكنه قيده البزار بالصلاة كما تقدم ويدخل في ذلك سلام الإمام على المأمومين والمأمومين على الإمام وسلام المقتدين بعضهم على بعض‏.‏ وقد ذهب المؤيد باللَّه وأبو طالب إلى وجوب قصد الملكين ومن في ناحيتهما من الإمام والمؤتمين في الجماعة تمسكًا بهذا وهو ينبني على القول بإيجاب السلام وسيأتي الكلام فيه‏.‏

قوله ‏(‏وأن نتحاب‏)‏ بتشديد الباء الموحدة آخر الحروف والتحابب التوادد وتحابوا أحب كل واحد منهم صاحبه‏.‏

5 - وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏عن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ حذف التسليم سنة‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏ ورواه الترمذي موقوفًا وصححه‏.‏ وقال ابن المبارك معناه‏:‏ أن لا يمد مدًا‏.‏

الحديث أخرجه أيضًا الحاكم وقال‏:‏ صحيح على شرط مسلم وفي إسناده قرة بن عبد الرحمن بن حيويل بن ناشرة بن عبد بن عامر المعاقري المصري‏.‏ قال أحمد‏:‏ منكر الحديث جدًا‏.‏ وقال ابن معين‏:‏ ضعيف وقال أبو حاتم‏:‏ ليس بالقوي‏.‏ وقال ابن عدي‏:‏ لم أر له حديثًا منكرًا وأرجو أنه لا بأس به‏.‏ وقد ذكره مسلم في الصحيح مقرونًا بعمرو بن الحارث‏.‏ وقال الأوزاعي‏:‏ ما أعلم أحدًا أعلم بالزهري من قرة وقد ذكره ابن حبان في ثقاته وصحح الترمذي هذا الحديث من طريقه وليس موقوفًا كما قال المصنف لأن لفظ الترمذي عن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ حذف السلام سنة‏)‏ قال ابن سيد الناس‏:‏ وهذا مما يدخل في المسند عند أهل الحديث أو أكثرهم وفيه خلاف بين الأصوليين معروف‏.‏

قوله ‏(‏حذف التسليم‏)‏ في نسخة من هذا الكتاب حذف السلام وهي الموافقة للفظ أبي داود والترمذي‏.‏ والحذف بفتح الحاء المهملة وسكون الذال المعجمة بعدها فاء هو ما رواه المصنف عن عبد اللَّه بن المبارك أن لا يمده مدًا يعني يترك الإطالة في لفظه ويسرع فيه‏.‏ قال الترمذي‏:‏ وهو الذي يستحبه أهل العلم قال‏:‏ وروي عن إبراهيم النخعي أنه قال‏:‏ التكبير جزم والسلام جزم‏.‏ قال ابن سيد الناس‏:‏ قال العلماء يستحب أن يدرج لفظ السلام ولا يمد مدًا لا أعلم في ذلك خلافًا بين العلماء وقد ذكر المهدي في البحر أن الرمي بالتسليم عجلًا مكروه قال‏:‏ لفعله صلى اللَّه عليه وآله وسلم بسكينة ووقار انتهى‏.‏ وهو مردود بهذا الدليل الخاص إن كان يريد كراهة الاستعجال باللفظ‏.‏